فصل: 173- سرقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الجنائية الإسلامية المقارنة



10- عقوبة الساحر:
قال الجصاص بعد أن نقل أقوال السلف في عقوبة الساحر:
(اتفق هؤلاء السلف على وجوب قتل الساحر، ونص بعضهم على كفره واختلف فقهاء الأمصار في حكمه على ما نذكره؛ فروى ابن شجاع عن الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه قال في الساحر: يقتل إذا علم أنه ساحر ولا يستتاب، ولا يقبل قوله، إني أترك السحر وأتوب منه، فإذا أقر أنه ساحر فقد حل دمه، وإن شهد عليه شاهدان أنه ساحر فوصفوا ذلك بصفة يعلم أنه سحر قتل ولا يستتاب).
وقال الإمام مالك رحمه الله: (الساحر الذي يعمل السحر، ولم يعمل ذلك له غيره، هو مثل الذي قال الله تبارك وتعالى في كتابه: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة 102]، فأرى أن يقتل ذلك، إذا عمل ذلك هو بنفسه).
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: (والسحر اسم جامع لمعان مختلفة، فيقال للساحر صف السحر الذي تسحر به، فإن كان ما يسحر به كلام كفر صريح استتيب منه فإن تاب، وإلا قتل وأخذ ماله فيئا، وإن كان ما يسحر به كلاما لا يكون كفرا وكان غير معروف، ولم يضر به أحدا نهي عنه فإن عاد عزر، وإن كان يعلم أنه يضر به أحدا من غير قتل فعمد أن يعمله عزر، وإن كان يعمل عملا إذا عمله قتل المعمول به، وقال عمدت قتله قتل به قودا إلا أن يشاء أولياؤه أن يأخذوا ديته حالة في ماله، وإن قال: إنما أعمل بهذا لأقتل فيخطئ القتل ويصيب، وقد مات مما عملت به ففيه الدية، ولا قود، وإن قال قد سحرته سحرا مرض منه، ولم يمت منه أقسم أولياؤه لمات من ذلك العمل، وكانت لهم الدية، ولا قود لهم مال الساحر، ولا يغنم إلا في أن يكون السحر كفرا مصرحا، وأَمْرُ عمر أن يقتل السحار عندنا، والله تعالى أعلم إن كان السحر كما وصفنا شركا، وكذلك أمر حفصة، وأما بيع عائشة الجارية، ولم تأمر بقتلها فيشبه أن تكون لم تعرف ما السحر فباعتها لأن لها بيعها عندنا وإن لم تسحرها، ولو أقرت عند عائشة أن السحر شرك ما تركت قتلها إن لم تتب أو دفعتها إلى الإمام ليقتلها إن شاء الله تعالى، وحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم على أحد هذه المعاني عندنا، والله تعالى أعلم).
وقال ابن قدامة رحمه الله: (وحد الساحر القتل؛ روي ذلك عن عمر، وعثمان ابن عفان، وابن عمر، وحفصة، وجندب بن عبد الله، وجندب بن كعب وقيس بن سعد، وعمر بن عبد العزيز؛ وهو قول أبي حنيفة ومالك. ولم ير الشافعي عليه القتل بمجرد السحر؛ وهو قول ابن المنذر، ورواية عن أحمد قد ذكرناها فيما تقدم، ووجه ذلك، أن عائشة رضي الله عنها، باعت مدبرة سحرتها، ولو وجب قتلها لما حل بيعها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث; كفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس بغير حق»؛ ولم يصدر منه أحد الثلاثة، فوجب أن لا يحل دمه. ولنا ما روى جندب بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «حد الساحر، ضربه بالسيف»؛ قال ابن المنذر: رواه إسماعيل بن مسلم، وهو ضعيف؛ وروى سعيد، وأبو داود في كتابيهما عن بجالة قال: كنت كاتبا لجزء بن معاوية، عم الأحنف بن قيس، إذ جاءنا كتاب عمر قبل موته بسنة: اقتلوا كل ساحر؛ فقتلنا ثلاث سواحر في يوم، وهذا اشتهر فلم ينكر، فكان إجماعا، وقتلت حفصة جارية لها سحرتها؛ وقتل جندب بن كعب ساحرا كان يسحر بين يدي الوليد بن عقبة؛ ولأنه كافر فيقتل؛ للخبر الذي رووه).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وجوز طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما: قتل الداعية إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة وكذلك كثير من أصحاب مالك. وقالوا: إنما جوز مالك وغيره قتل القدرية لأجل الفساد في الأرض; لا لأجل الردة؛ وكذلك قد قيل في قتل الساحر؛ فإن أكثر العلماء على أنه يقتل وقد روي عن جندب رضي الله عنه موقوفا ومرفوعا: «إن حد الساحر ضربه بالسيف» رواه الترمذي. وعن عمر وعثمان وحفصة وعبد الله بن عمر وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم: قتله. فقال بعض العلماء: لأجل الكفر وقال بعضهم: لأجل الفساد في الأرض. لكن جمهور هؤلاء يرون قتله حدا. وكذلك أبو حنيفة يعزر بالقتل فيما تكرر من الجرائم إذا كان جنسه يوجب القتل كما يقتل من تكرر منه اللواط أو اغتيال النفوس لأخذ المال ونحو ذلك).
وقال ابن حزم، بعد أن بيَّن أقوال العلماء في حكم الساحر: (الساحر ليس كافرا كما بينا، ولا قاتلا، ولا زانيا محصنا، ولا جاء في قتله نص صحيح فيضاف إلى هذه الثلاث، كما جاء في المحارب، والمحدود في الخمر ثلاث مرات. فصح تحريم دمه بيقين لا إشكال فيه).
وقال الإمام الشنقيطي رحمه الله: (والأظهر عندي أن الساحر الذي لم يبلغ به سحره الكفر ولم يقتل به إنسانا أنه لا يقتل لدلالة النصوص القطعية والإجماع على عصمة دم المسلمين عامة إلا بدليل واضح، وقتل الساحر الذي لم يكفر بسحره لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتجرؤ على دم مسلم من غير دليل صحيح من كتاب أو سنة مرفوعة غير ظاهر عندي والعلم عند الله تعالى مع أن القول بقتله مطلقاً قوي جداً لفعل الصحابة له من غير نكير).

.173- سرقة:

1- التعريف:
السرقة في اللغة: أخذ الشيء من الغير خفية؛ قال ابن فارس: السين والراء والقاف أصلٌ يدلُّ على أخذ شئ في خفاء وسِتر. يقال سَرَق يَسْرِق سَرِقةً، والمسروق سَرَقٌ، واستَرَق السّمع، إذا تسمَّع مختفياً.
وفي الاصطلاح: هي أخذ العاقل البالغ نصابا محرزا، أو ما قيمته نصاب، ملكا للغير، لا شبهة له فيه، على وجه الخفية.
2- حكم السرقة:
السرقة محرمة لأنها اعتداء على حقوق الآخرين، وأخذ لأموالهم بالباطل، وفيها إفساد للدين، والأخلاق والضمير، ويترتب عليها إخلال شديد بأمن البلاد والعباد، وزعزعة الاقتصاد العام بهز الأمن والثقة وهي محرمة بالكتاب والسنة، الإجماع. قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة 38].
وفي صحيح البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا».
وفي الصحيحين، عنها رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأسامة: «أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فخطب، فقال: أيها الناس، إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد» متفق عليه. وقد أجمع الفقهاء على تحريم السرقة.
3- الجرائم المشابهة للسرقة:
أ- الاختلاس:
الاختلاس: خطف الشيء بسرعة والهرب به.
قال الخليل: الخَلْسُ والاختلاسُ: أخذ الشَّيْء مُكابَرَةً، تقول: اختلستُه اختلاساً واجتذاباً. وقال ابن منظور: الخَلْسُ: الأَخذ في نَهْزَةٍ ومُخاتلة؛ خَلَسَه يَخْلِسُه خَلْساً وخَلَسَه إِياه، فهو خالِسٌ وخَلاَّس؛ قال الهذلي:
يا مَيُّ إِن تَفْقِدي قوماً وَلَدْتِهم أَو تَخْلِسِيهم فإِن الدَّهرَ خَلاَّس.
والمختلس: هو الذي يأخذ المال جهرة معتمدا على السرعة في الهرب؛ فالفرق بين السرقة والاختلاس هو أن السرقة عمادها على الخفية، والاختلاس يعتمد على المجاهرة. قال البهوتي: (والاختلاس نوع من الخطف والنهب، وإنما استخفى في ابتداء اختلاسه والمختلس الذي يخطف الشيء ويمر به).
والمختلس يعاقب بعقوبة تعزيرية يقدرها القاضي، وليس عليه قطع، لحديث جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع». (راجع: مصطلح: اختلاس).
ب- النهب:
النهب: أخذ المال بالقهر والغلبة؛ يقال: نهب الشيء نهبا، أخذه قهرا؛ والنهب: الغارة؛ والغنيمة: الشيء المنهوب.
قال ابن عابدين: (النهب والاختلاس، أخذ الشيء علانية، إلا أن الفرق بينهما من جهة سرعة الأخذ في جانب الاختلاس، بخلاف النهب فإن ذلك غير معتبر فيه). ومن هذا يتبين أن الفرق بين النهب والاختلاس والسرقة يعود إلى صفة الأخذ، وهو الخفاء في السرقة، والعلانية في النهب والاختلاس ولهذا لا قطع على المنتهب والمختلس للحديث السابق، ويعاقب المنتهب بعقوبة تعزيرية يقدرها القاضي، ويجب عليه رد ما انتهبه.
ج- الغصب:
الغصب في اللغة: أخذ الشيء ظلما مجاهرة.
وفي الاصطلاح: هو الاستيلاء على مال الغير قهرا بغير حق.
فالفرق بين الغصب والسرقة: أن الغصب يتحقق بالمجاهرة، في حين يشترط في السرقة أن يكون الأخذ سرا من حرز مثله.
وليس على المغتصب قطع، ولكن عليه عقوبة تعزيرية يقدرها القاضي، ويجب عليه رد ما اغتصب.
د- النبش:
قال ابن منظور: نَبَشَ الشيء يَنْبُشُهُ نَبْشاً: استخرجه بعد الدَّفْن، ونَبْشُ الموتى: استخراجُهم، والنبَّاشُ: الفاعلُ لذلك، وحِرْفتُه النِّباشةُ. والنَّبْشُ: نَبْشُك عن الميّت وعن كلّ دَفِين.
والنباش: هو الذي يسرق أكفان الموتى بعد دفنهم في قبورهم.
وقد اختلف الفقهاء في حكمه وفي اعتباره سارقا، فذهب جمهور الفقهاء إلى اعتبار النباش سارقا؛ لانطباق حد السرقة عليه. قال ابن قدامة: (وحرز الكفن كونه على الميت في القبر، فمن نبشه وسرقه قُطع، لأنه سارق، بدليل قول عائشة رضي الله عنها: سارق أمواتنا كسارق أحيائنا). وروى البيهقي عن عامر الشعبي أنه قال: يقطع في أمواتنا كما يقطع في أحيائنا. وروى ابن أبي شيبة عن حجاج أن مسروقا وإبراهيم النخعي والشعبي وزاذان وأبا زرعة بن عمرو بن جرير كانوا يقولون في النباش يقطع. وذهب أبو حنيفة إلى عدم اعتبار النباش سارقا لأنه يأخذ ما لا مالك له وليس مرغوبا فيه، واشتراط الخفية والحرز لا يجعل هذا النوع من الأخذ سرقة.
هـ- النشل أو الطر:
النَّشْلُ: هو نزع الشيء بسرعة، يقال: نَشَل الشيء يَنْشُله نَشْلاً: أَسرع نَزْعَه.
والطَّرُّ: هو القطع والشق، يقال: طَرَّهم بالسيف يَطُرُّهم طرّاً.
والنشال: المختلس الخفيف اليد من اللصوص، يشق ثوب الرجل ويسل ما فيه على غفلة من صاحبه؛ ويعبر عنه بالطرار، من طررته طَرَّاً: إذا شققته.
وفي اصطلاح الفقهاء الطرار أو النشال: هو الذي يسرق الناس في يقظتهم بنوع من المهارة وخفة اليد.
والفرق بين النشل أو الطر، وبين السرقة يتمثل في تمام الحرز، ولهذا اختلف الفقهاء في تطبيق حد السرقة على النشال، فجمهورهم يسوي بين السارق والطرار سواء شق الكم أو القميص وأخذ منها ما يبلغ النصاب، أو أدخل يده فأخذ دون شق، لأن الإنسان يعتبر حرزاً لكل ما يلبسه أو يحمله من نقود وغيرها؛ وبعضهم يرى أنه إذا أدخل يده في الكم أو في الجيب فأخذ من غير شق، أو شق غيرهما مثل الصرة، فلا يقام عليه حد السرقة لعدم اكتمال الأخذ من الحرز. وفقهاء الحنابلة يرون قطع الطرار؛ قال في الروض المربع: (ويقطع الطرار، وهو الذي يبط الجيب، أو غيره، ويأخذ منه، أو بعد سقوطه نصابا، لأنه سرق من حرز).
و- خيانة الأمانة:
الخيانة لغة: أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح، يقال: خَانَهُ في كذا يَخُونُه خَوْنًا وخِيَانَةً ومَخَانَةً، واخْتَانَهُ؛ قال الله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال 58]؛ ونقيض الخيانة الأمانة.
والخائن في الاصطلاح: هو الذي خان ما أتُمن عليه.
وخيانة الأمانة محرمة لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال 27]. ولقوله صلى الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا أؤتمن خان» متفق عليه. وقد عدَّ الذهبي وابن حجر الهيتمي، الخيانة من الكبائر.